lundi 19 novembre 2012

هل يحمي القانون من لا يؤمن به؟ أو أيّها السّلفي… لا تمت هدرا: فتحي المسكيني



بعد ثورات الرّبيع العربي لا يزال الجسد "العربي الإسلامي"(وهذه التّسمية لا تخلو من عبء ما "ورطانة" ما) يرزح تحت نفس النير: أنّ حرّيته لا تزال تقع أعلى من قامته، وأنّ على شخصه الكريم أن يشرئبّ أكثر إلى أفق ذاته الجديدة، فهي لم تتحقّق بعد. بيد أنّ ما صبغ جوّ النّقاش ما بعد الرّبيعي عن أنفسنا الجديدة بهالة من التكدّر والتجهّم غير المنتظر على وجوه "الثّوريّين" هو أنّ عدد الشهداء لم يتوقّف عند الذين ماتوا، بل صار يطال الذين أفلحوا في النّجاة من الآلة الدّكتاتوريّة.

 "النّاجون" هم أيضا ليسوا بمنجاة من الموت، ودائما تحت آلة الدّولة. وفجأة نتذكّر أنّ الثّورات لا تغيّر من طبيعة منطق الدّولة شيئا. الموت شبح حميم لوجه الحاكم مهما كان قناعه. ومن يلتقي بالحاكم عليه ألاّ ينسى أنّ الموت في الجوار، وإن كان يلبس أكثر البزّات سلميّة وشرعيّة. لا يمكن لأيّ دولة أن تستغني عن سياسة في الموت، لأنّها جزء من ماهيّة السلطة باعتبارها استعمالا واحتكارا للاستعمال الشّرعيّ للعنف.

وبالفعل فقد بلغت ثورات الرّبيع العربي مستوى المفارقة وربما "الكلبيّة" غير المرحة بأيّ وجه، عندما أخذت تأكل أبناءها، بنهمٍ أقوى من نهم الحاكم الهووي الذي ظننّا أنّنا تخلّصنا من وجهه إلى الأبد. – لقد مات في تونس هذه الأيّام شباب يُدعى "سلفيّا"، قابعًا في سجون حكومات الثّورة، بعد إضراب جوع متوحّش قارب الستين يوما. اكتملت المفارقة: حكومات تنتصر انتصارات انتخابيّة واسعة النّطاق (من دون أي انتصار سياسي يُذكر) لم تعد تحتمل السّكوت على عمقها الاستراتيجي: الشّباب السلفي المستعدّ للذّهاب في الذّود عن الهويّة الإسلاميّة إلى أقصى المستطاع الحيوي لأجساد منهكة هي نفسها بتقنيات نسكيّة صارمة ولابدّ أنّها مرهقة لجيل "الياغورت" و"ألعاب الفيديو" و"الأفلام الكرتونيّة" و"الأكلة السّريعة" و"الحفّاظات الطبّية"… الذي تحوّل فجأة إلى كتيبة أخلاقيّة شرسة في خدمة الإسلام المعولم.

وفجأة أصبح تظاهر الأتباع أو الحلفاء أو الأصدقاء ضربا من عدم اللّياقة الثّوريّة في غير محلّها. وفجأة نتبيّن أنّ الدّولة لا تسمح لأحد بأن يموت كما يريد. إذا ذهبت إلى أبعد ممّا تحتمله الحكومة في الشّعور أو العنف الثّوري فإنّ عليك أن تسدّد فاتورة الغضب غير المرخّص له على حسابك. إنّ الدّولة غير مسؤولة عن حياة من يثور أكثر من اللاّزم، أو يتجاوز الخطّ الثّوري للحكومة. إنّ غضبك مثل أيّ سلعة سياسيّة أخرى ليست ملكا لك وحدك. بل هي من ثروات الوطن، وعليك أن تحتاط في استخدامها، وأن تقبل سياسة الحكومات في ترشيد استهلاكها. وهذا يعني أنّ القانون لا يحمي الغاضبين في أيّ دولة؛ بل هو ربّما ما خُلق إلاّ من أجل السّيطرة عليهم وحماية الدّولة من النتائج ما بعد الثّورية لأفعالهم.

تعاني دول ما بعد الثّورة من مفارقة خبيثة: أنّه سرعان ما تصبح فكرة الثّورة عبءا أخلاقيّا ينبغي التّعجيل في التخلّص منه. تبدأ الدّولة حيثما تنتهي الثّورة. ويستفحل الأمر بقدر ما يحرص "الثّوريّون" على اعتلاء سدّة الحكم والتحوّل السّريع إلى وزراء ورؤساء، وغبار الثّورة لا يزال على أكتافهم المنهكة. فإذا بهم ينقلبون إلى فقهاء يُفتون في كلّ شيء وإلى آلهة مزيّفة تبرّر الذّمم وتعفو عمّن تريد وتحاسب من تشاء. وكلّ ذلك باسم شرعيّة لا يرقى إليها الشكّ.

من أجل ذلك، يبدو موت بعض الشّباب السّلفي الذي تظاهر في شوارع تونس "ما بعد الثّورة"، وفي سجون حكومات تحقيق أهداف الثّورة، وبعد إضراب جوع متوحّش، فاق حدود الشّخصيّة الإنسانيّة الكونيّة إلى رتبة الاستشهاد السّالب،- يبدو هذا الموت فضيحة أخلاقيّة ووصمة عار في وجه كل الثّورات العربيّة، وشوكة ناتئة وجارحة في قلب الرّبيع العربي الذي لا تزال الأناشيد له على قدم وساق. قبل مدّة قليلة، كنّا نؤرّخ لملامح الرّعب الكبير من وصول الأحزاب "الإسلامويّة" إلى الحكم، ولم يكن يطمئنّ النّاس إلى شرعيّة الانتخابات التي سمحت لهم بذلك. لكنّ الوقت لم يطل بنا حتّى فاجأنا موت الشبّان السّلفيين في سجون الثّورة، وتحت خطّ الرّعاية الحقوقيّة والطبّية لأجسادهم "المسلمة". هل تمّ اختيار إسلام دون آخر؟ وما هو "الإسلام المعتدل" حتى يسمح بموت المسلمين "السّلفيين"؟ فجأة انتصر منطق الدّولة، وانهزم الانتماء الدّيني للثّوريّين الجدد.

إنّ ما يثير حقّا في تجربة هؤلاء الشّباب السّلفيين هو كونهم يصطدمون بقانون دولة مدنيّة لا يؤمنون بشرعيّتها الدّينيّة. لكنّ ما كان يطمئنهم على مصيرهم الشّخصي هو أنّهم يتظاهرون في شوارع حكومة وصلت إلى الحكم باسم الدّين. ومن ثمّ أنّ المحظور لن يقع أبدا: الثّورة من جهة، والدّين من جهة أخرى، سوف يمنعان السّلطة من الانتقال إلى استعمال الموت كوسيلة ردع للغاضبين، كما فعل الحاكم الهووي من قبل.
ومع ذلك، فإنّ ما وقع هو العكس. صحيح أنّ الدّولة لم تقتل أحدا بالرّصاص. لكنّ الموت قد حصل. لا يحتاج الموت إلى التّقنية حتى يقتل الأجساد البشريّة من خارج، بل هو يمكن أن يصعد إليها من داخلها. هو سوف يسمح فقط لهذه الأجساد بأن تقتل نفسها. وذلك عندما يضعها في موقع تفقد معه مناعتها الذّاتية، وتتحوّل إلى كتلة لحميّة مراقبة، ملقى بها في غياهب السّجن الحديثة، كما وصفها فوكو: السّجن في شكل "بانومبتيك"، يمكّن الحارس السّجّان أن يرى السّجين دون أن يراه. بل أكثر من ذلك كما فسّر دولوز: أن يفرض سلوكا هلاميّا على تلك الكثرة الإنسانيّة المجهولة، من دون أيّ توقيع آخر. في السّجن يتمّ تحويل السّجين إلى "أيّ كان"، إلى "فلان" لحميّ فاقد لأيّ حريّة شخصيّة. ومن ثمّ يُعامل باسم القانون على أنّه homo sacer كما قال القانون الرّوماني من قبل: شخص منبوذ، فقد كلّ حقّ قانوني، يتمّ عزله، يمكن لأيّ كان أن يقتله، لكنّه لا يصلح لأن يكون قربانا بشريّا في المناسك الدّينيّة. وحسب الفيلسوف الإيطالي أغامبن، إنّ الإنسان المنبوذ أو المهدور دمه، هو من النّاحية القانونيّة بمنزلة "المنفيّ" (وإن كان منفيّا إلى الدّاخل)، لكنّ ذلك ينطوي على مفارقة: إنّ الذي ينفي أو يُقصي أو يجرّد من الحقوق هو نفسه القانون الذي يمنح نفس الشّخص ضربا ما من الهويّة القانونيّة. وإنّه على أساسها تتمّ محاكمته أو إدانته.

السّلفي الجديد شاب يتمّ القبض عليه متظاهرا (و"المتظاهر" هو قد صُنّف كما نعلم باعتباره شخصية العام 2011 عند مجلة Time Magazine، المتظاهر كوجه كوني للحريّة، أثناء الرّبيع العربي، جنبا إلى جنب مع أحداث عالميّة أخرى، من قبيل حركات السّخط في أوروبا، وحركة "احتلّوا شارع وول ستريت" ومناهضي بوتين في روسيا..). لكنّ هذا "المتظاهر" له رونق خاص: إنّه لا يؤمن بشرعيّة الدّولة الحديثة (الوضعيّة) ولا بحقّ المواطنة النّشطة، ولا بالمشاركة الجمهوريّة، ولا بالحياة الخاصّة اللبراليّة، ولا بالفاصل بين نماذج العيش وقواعد الدّيمقراطيّة، ولا بالتّمييز بين العمومي والخصوصي، ولا بين قيم الخير الثّقافيّة ومعايير العدل القانونيّة…

إنّه ضدّ الدّولة المدنيّة القائمة على القانون الطّبيعي والتّشريعات الوضعيّة. ولا يرى فرقا بين "الرّعية" و"المواطنة"، وبين الحكومة و"أولي الأمر"، ولا بين "القانوني" و"الشّرعي"…

بكلمة واحدة: هو لا يؤمن بالقانون الوضعيّ، لكنّه يدخل السّجن باسم هذا القانون، ويقع تحت طائلته. وإنّ المفارقة هنا هي: ما الذي تمّ القبض عليه في الشّاب السّلفي: جسده الفقهي أم جسمه الحيوي البشري الصّرف؟ - يساعدنا تمييز أغامبن بين الحياة الحيوانيّة (zoë) وبين الحياة السّياسيّة (bios) على مساءلة وضعيّة السّلفي في السّجن: إنّ حالته استثنائيّة في معنى طريف. على الرّغم من أنّ الدّولة تحاسب النّاس على حياتهم السّياسيّة فهي لا تقبض في الشّارع إلاّ على حياتهم الحيوانيّة. وحده "الحيوان"يمكن أن يكون فخّا ناجعا للقبض على "البشر". وليس السّجن غير أعرق تقنيّة لإرجاع البشر إلى عالم الحيوان. وفي حالة السّلفي تنطوي المشكلة على مفارقة: كيف يحقّ للقانون أن يقبض على شخص لا يؤمن به؟ بأيّ حقّ يسوغ للدّولة أن تطبّق القانون الوضعي على إنسان لا يرى نفسه "مواطنا" بقدر ما ينظر إلى "نفسه" بوصفها نفساً مخلوقة تحت أوامر خالقها، ومن ثمّ هو يفرّق جيّدا بين "الإنسان" (الذي يمكن أن يكون مواطنا تحت حكم الدّولة المدنيّة) وبين "الآدميّ"( الذي لا يحق له أن يكون إلاّ مؤمنا ملتزما بأحكام الشّريعة) ؟
ما قاد السّلفي إلى موته هو سوء فهم بنيوي بين المؤمن والمواطن في شخصيّة المسلم ما بعد الثّورة: أين يقف الإيمان وأين تبدأ المواطنة ؟ - ليس من السّهل إقناع الشّاب السّلفي برسم حدود واضحة بين المجالين. لكنّ هذا الشّباب السّلفي ليس معيارا أخلاقيّا ولا قانونيّا لنفسه. رغم أنفه هو بشريّ معاصر. ومن ثمّ فهو يوجد تحت صلاحيّة كلّ إعلانات حقوق الإنسان منذ الثّورة الفرنسيّة.

وهكذا فإنّ الغضب "السّلفي" ليس سلفيّا إلاّ من حيث المقاصد فقط. أمّا من جهة النّشأة التّاريخيّة والبنى التي يأخذها والمشاكل السّياسيّة أو الأخلاقيّة أو القانونيّة التي يثيرها، هو غضب معاصر، وينتمي إلى تاريخ السّخط الذي بدأ في شوارع باريس سنة 1789 وتحوّل إلى آداب كونيّة للدّفاع عن كرامة الشّخص الإنساني وعن قيمة الإنسانيّة في جسد كلّ فرد مهما كانت هويّته.
بذلك على القانون أن يحمي من لا يؤمن به. لأنّ صلاحيّة القوانين كونيّة، ولا علاقة لها بالآراء الخاصّة. والإيمان مهما علا شأنه، فهو من النّاحية القانونيّة رأي أو معتقد أو تصوّر خاصّ للخير عامة. ولا يمكن له أن يتدخّل أو يوجّه آلة العدالة في مجتمع ما. إنّ العدل كونيّ وواحد أو لا يكون. أمّا الخير فهو ثقافيّ ومتعدّد وهوويّ. ولأنّ العدالة لا هويّة لها، فإنّ موت الشّاب السّلفي كان هدرا بحتاً. وهذا النّوع من الخسارة "البشريّة" لا يمكن تبريره أبدا. ربّما قد يعنّ لفرقة دينيّة أو كلاميّة أن تبرّر موت مؤمن مخالف في الدّعوى، لكنّ القانون الحديث لا يحقّ له أبدا أن يبرّر موت أيّ شخص مهما كان. فالقانون لا يثأر من أحد. 
السبت 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012
موقع الأوان
http://www.alawan.org/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AD%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%86.html

mardi 11 septembre 2012

أوصيكم بالليل خيرا، أمّا أنا فسأتبع الشمس حيثما تذهب

أوصيكم بالليل خيرا، أمّا أنا فسأتبع الشمس حيثما تذهب
صحراء ما بين توزر ونفطة: سبتمبر 2012
تصوير: طارق الغزال

samedi 1 septembre 2012

الثقافة العربية والعطب اللسانيّ: أرض واحدة ولسانان


الثقافة العربيّة والعطب الكلاميّ:
أرض واحدة ولسانان


في مساء يوم الأحد 20 أيّار مايو 2012 حطت الطائرة في مطار بيروت الدولي. لم تكن الرحلة من تونس إلى بيروت ممتعة كما توقعناها، بل كانت مملّة ومضنية. لم نحتسب كم دامت مدتها ولكنها لم تتجاوز الثلاث ساعاتٍ في أقصى تقدير. الجوّ في السماء كان مغيّما فحجب عنا الرؤية أغلب الوقت. لم ندرِ هل هو سحاب ممطر أم ضباب كثيف، وهو لم يَصْفُ لنا إلا في سماء اليونان، فأصبحنا نرى جُزُرَه تحسبها هامدةً وهي تمرّ تحتنا على عجلٍ كأنها سفُنٌ في سباق.
المسافرون أوّلَ مرّة إلى لبنانَ – مثلي- لا يهدأ لهم بالٌ. يتدافعون أمام النوافذ القليلة ليتأمّلوا منظر الجزُر وهي تميد من خلال الغمام. يسترقون الصورَ باستخدام هواتفهم المحمولة رغم دعوات الطاقم المتكررة لإقفالها. الطائرة من حين لآخر تهتزّ وترتجّ، وباهتزازها وارتجاجها تضطرب الأيادي الحاملةُ لآلات التصوير فتأتي الصورةُ ضبابيّةً لا تروق للمصوّر فيعيد الكرّة حتى يظفرَ بما يعجبه.
بسبب الاهتزازات المتكررة، تهيّأ لي أنّني لا أركب طائرة بل أركب الحافلة الصفراء التابعة لشركة النقل العمومي بتونس، لا سيّما تلك التي تقلّني من وسط تونس العاصمة إلى مقرّ عملي بحي سيدي حسين السيجومي. كما تهيّأ لي أيضا أنّ جزر اليونان المتناثرة هي تلك النتوءات والحفر التي تتوزع بكل عشوائية في طريق سيدي حسين بسبب الأشغال التي لا تنتهي على مرّ السنة، فتكون سببا للاهتزاز المتواصل طوال الرحلة.
بعد أن انتهت حملة التصوير الجماعي، ركنَ كلٌّ إلى مقعده ثم خلدوا إلى النوم كافّةً، فلم يتفطّنوا إلى مرور جزيرة قبرص، صرحا عظيما شامخا بأرضها البنّيّة ومبانيها البيضاء التي لا تكاد تُرى. وإذا كانت العين المجرَّدة قادرة تمام القدرة على التمييز بين الجبال والسهول والمباني، فإنّي لا أظنها قادرةً على التمييز بين جزئها التركي وجزئها اليوناني إلا لمن يعرفها من قبلُ. جزيرة واحدة وشعبان مختلفان، أرض واحدة ولسانان متباينان. الجغرافيا تُوحّد والتاريخ يقسّم ويُحكم الفواصلَ والحدودَ. إنّ الناظرَ من فوق لا يرى إلا الوحدةَ والانسجامَ. الوحدةُ لا يمكن رؤيتها إلا إذا كنّا في السماء، لأنّ القابع في سمائه لا علم له بالجزئيات والتفاصيل، فإذا نزلَ تصدّع كلُّ شيء أمامه وتشتّت وتبعثر...
السماء هي مصدر التوحيد...
مطار بيروت الدولي يبدو خاليا إلا من أعوان الديوانة وموظفيها. استقبلونا استقبالا جيّدا فلم نتعطّل لحظة. مررنا مباشرة إلى الضفة الأخرى، إلى القاعة الكبيرة التي منها نخرج إلى الشارع. الهاتف المحمول يرنّ معلنا وصول إرسالية SMS باللغة الفرنسية: "اتصالات تونس ترحب بكم وتتمنّى لكم سفرة مريحة، كما تعلمكم أنه بإمكانكم الاتصال حيث كنتم بفضل خدمة Remaining، وذلك بسعر كذا الدقيقة". تذكّرت آنذاك أنه عليّ الاتصال بجهتين: بتونس حيث العائلة تريد أن تطمئنّ على وصولي إلى بيروت، ثم بصديقي اللبناني: "سمير" الذي كتب إليّ رسالة على الفيسبوك فورَ سماعه قبل أسبوع بخبر قدومي قائلا باللهجة اللبنانية:
-          ناطرك بس توصل لبيروت احكيني على الرقم: كذا وكذا. أنا بمدينة صيدا: 25 دقيقة من بيروت.
حاولت الاتصال بالجهتيْن لكن لم أتمكن من ذلك. المشكلة ذاتها مع المجموعة التونسية التي معي، الاتصال غير ممكن، لا بتونس ولا بلبنان. سألنا عن سبب المشكلة فأفادنا اللبنانيون الموجودون بالمطار بأنّ تقنية Remaining لا تشتغل بلبنان. الحلّ الثاني هو اقتناء خطّ لبناني لاستعماله مدّة الأسبوع الذي سنقضيه هنا. لكنّنا فوجئنا بأنّ سعرَه حوالي 50 دولارا، وهو سعر مرتفع جدا.
سألنا:
-          هل من مركز اتصال عمومي في المطار أو في مكان قريب منه؟
أجابونا:
-          مراكز الاتصال في لبنان تشتغل بالبطاقات لا بالقطع النقدية. والبطاقات مفقودة لأنّ صاحب الشركة المروجة لها في خلاف مع وزير الاتصالات منذ مدة...
خلاف بين مسؤوليْن يقطع حبال الاتصال بين الناس.
تذكّرت حكاية رواها لي أحد الأقارب عندما ذهب للاشتغال في بلد افريقي، حيث أراد عند وصوله شراء خطّ هاتفي جوّال فوجد شركتيْن: إحداهما وطنيّة والأخرى خاصة، فآثر الوطنية. بعد ذلك اكتشف أنه لا يمكنه الاتصال إلا بأمثاله المشتركين بالوطنية، وأنّه لا يستطيع أن يتّصل بأصدقائه من المشتركين بالشركة الخاصة المنافسة. ولمّا سأل عن سبب ذلك قيل له إنّ الشركتيْن في خلاف أمام المحاكم، مما أدّى إلى انقطاع قنوات الاتصال بينهما، وبذلك انقسم الناسُ في ذلك البلدِ إلى فئتيْن: "وطنيّون" و"غير وطنيّين"،تتكلّم الفئة الأولى كلاما فلا تسمعه الفئة الثانية، وهذه الأخيرة لا تسمع كلام الأولى. لو لم يكن لسانهم واحدا لقلنا: يتكلّم "الوطنيّون" لسانا لا يفهمه "غيرُ الوطنيّين"، ويتكلّم "غيرُ الوطنيّين" لسانا آخرَ لا يفهمه "الوطنيّون":  أرض واحدة ولسانان مختلفان.
لا وجود لساعة حائطية في غرفة فندق "الكومودور" ببيروت لأعرف حدود الزمن بعد أن توقّفت ساعتي اليدوية عن العمل، وبعد أن اختلطت عليّ الأزمنة من تونس إلى بيروت. التجأتُ إلى الهاتف المحمول فإذا به يشير إلى الساعة الثالثة بعد الزوال بتوقيت تونس، أي الرابعة بتوقيت لبنان. لم تعد للهاتف المحمول وظائفُ هامة بعد أن فقد وظيفتَه الأساسية وهي الاتصال. أصبحت له وظائف ثانوية كتحديد الوقت والتقاط الصور ذات الجودة الهابطة وبعض الألعاب البدائيّة التي لا تعنيني... كنت منصرفا إلى اكتشاف محتويات الغرفة وتحسّس المكان الجديد، فإذا بهاتف الغرفة يرنّ بصوت لا يكاد يُسمع.
-          أهلين. كيفك؟ مليح؟ كيف كانت الرحلة؟
-          أهلا "سمير"، الحمد لله، يعيّشك، انت فين؟
اعتقدتُ أنّه ينتظرني في قاعة الاستقبال لأنّه على علم من قبلُ بالفندق الذي سأقيم فيه.
-          أنا في صيدا. لم أستطع القدوم إلى بيروت لأنّو فيه كتير طرقات مقطوعة احتجاجا على عملية الاغتيال.
-          اغتيال من؟
-          إذا فيه عندك تلفزيون بالغرفة شغلو وشوف الأخبار.
معظم القنوات التلفزية اللبنانية موجودة في تلفزيون الغرفة. قناة "المستقبل"، لسان حال تيّار المستقبل بزعامة آل الحريري، تنقل خطابا شبه تحريضيّ على لسان مقدمة الأخبار. فهمت أنّ الشخصيّة التي وقع اغتيالُها تابعة لتيّار المستقبل و قوى "14 آذار".
قناة "الجديد" تنقل رأي أحد المحلّلين السياسيّين، وفي شريط أخبارها أسفل الشاشة: "مقتل إمام مسجد البيرة الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه على يد عناصر من الجيش اللبناني عند حاجز بلدة الكويخات أثناء توجهه إلى ساحة حلبا للمشاركة في اعتصام لجنة ضحايا 7 أيار التابعة للنائب خالد الضاهر من تيار المستقبل".
هناك روايتان تخفيان قراءتيْن مختلفتيْن لما وقع: رواية تيار المستقبل وقوى "14 آذار" عامة التي تضمّ معظم الطوائف السنّيّة وبعض المسيحيّين (المعارضة): تقول إنّ ضابط الجيش في الحاجز أمر الشيخ عبد الواحد بالنزول من السيارة فرفض ثم قرّر قيادة السيارة بنفسه وأراد أن يرجع من حيث أتى، ولدى محاولته قيادة السيارة بادرت عناصر الجيش بإطلاق النار بغزارة مما أدى إلى مقتله ومرافقه.
رواية قوى "8 آذار" (السلطة) التي تضمّ معظم الطوائف الشيعية (ممثلة أساسا في حزب الله) وبعض المسيحيين، وهي القوى التي لا تخفي تحالفها مع سوريا وإيران وتتبنّى خط مقاومة العدو الإسرائيلي والمشروع الامريكي في الشرق الأوسط عامة: تقول إنّ موكب الشيخ رفض التفتيش رغم حمله لسلاح غير مرخص له، وإنه تجاوز الحاجز العسكري فأطلق الجنود الرصاص في الهواء لتنبييهه، فردّ موكب الشيخ بإطلاق النار تجاه الجنود فردّوا بدورهم بكثافة مما أدّى إلى ما حصل في النهاية.
حادثة واحدة وروايتان... أرض واحدة ولسانان.
المهمّ أنّ الشيخ حاول الانتقال من مكان إلى مكان داخل البلد الواحد، فكان ثمن انتقاله حياته ودماء تسيل. ثمّ لمّا قُتل ثارت شيعتُه وغضبت واحتجّت وعبّرت عن احتجاجها بحرق الإطارات المطاطية وقطع الطرقات أمام كلّ من يريد التنقّلَ من الجنوب إلى الشمال، ومنهم صديقي "سمير".
عندما نستمع إلى الروايتيْن بكلّ تفاصيلهما، لن نجدَ إلا سردا لوقائعَ وأحداثٍ. لا وجود لأقوال وحوار. لا نعرف ماذا قال الشيخ عبد الواحد لضبّاط الحاجز ، كما لا نعرف ما قاله الضباط للشيخ. مضمون المحادثة التي جرت بين الطرفيْن تبدو مفقودة. لكنّنا نجزم أنّها، وإن وجدت فهي خالية من المعنى، لأنّ لكل طرف لسانا مختلفا عن لسان الآخر، ومن الطبيعيّ إذن أن يُعوّضَ الحوار الكلاميّ بحوار الرصاص المتبادل. فإذا كانت كلّ فئة تتحدّث لسانا لا تفهمه الفئة الثانية فلا معنى لقنوات الاتصال. ما حاجتنا إلى مدّ طريق تربط بيننا إذا كان الواحد منّا لا يفهم ما يقوله الطرف الآخر؟ لا فائدة في وجود طريق، الحواجز العسكرية والمطاطية أولى بها، ما دام الذي يسكن في الضفة الأخرى لا يفهم لغتي ولا يتعامل بعُملتي. وإن وُجدت تلك الطريق في هذه الحالة فهي لن تؤدّيَ إلا إلى العدم، إلى الرصاص والدماء. الطرقات لا تربط إلا بين أصحاب اللسان الواحد. والحواجز لا تسمح بالمرور إلا لمن يتكلّم لغتها.
قال ميشيل عون، عدو  النظام السوري بالأمس، حليفه اليوم، معلقا على دعوات سحب الجيش من الحواجز: "من طالب بسحب الجيش بدّو سحب لسانه"، فاللسان هو سبب البليّة حسب "عون". وقد يكون سحب اللّسان عقابا طبيعيّا لمن لا يتكلّم لغتنا، أو لمن يُصرّ على استخدام لغة أخرى دون لغتنا، فيكون الجزاء آنئذ منعَه من الكلام كلّيّةً، وهذا ما وقع في الحقيقة للشيخ، وإن بطريقة القتل، لأنّ القتل هو طريقة من طرائق سحب اللسان ومنع الكلام.
صباح يوم الاثنين 21 أيّار مايو 2012، جريدة "السفير" الموالية لقوى "8 آذار" في صفحتها الأولى تورد عنوانا كبيرا بعيدا عن الحياد: "عكّار مع الجيش في مواجهة الفتنة.. بالحقيقة" وبجانبه صورة بالألوان لجنديّيْن لبنانيّيْن بلباسهما العسكري رافعيْن رأسيْهما بكلّ اعتزاز وغير بعيد عنهما سيّارة الشيخ المقتول (Range Rover) وقد هُشّم بلورها الخلفي. لسان حال الجنديّيْن يقول: "هذا جزاء كلّ من تسوّل له نفسُه اختراقَ حواجزنا وحدودنا، هذا جزاء كلّ من يريد التكلّم بغير لساننا". وفي عموده "على الطريق" - على الصفحة الأولى أيضا- يكتب "طلال سلمان" كلاما مقتضبا يلخّص فيه الحال في لبنان قائلا: "في لبنان دويلات كثيرة ولا دولة، وطوائف كثيرة وقليل من الدّين، وسلاح كثير ولكنّ أقلَّه بيد الجيش، وميليشيات كثيرة تتولّى إدارة السلطة من خارج الشرعية". صورة أخرى في الصفحة الرابعة حيث التفاصيل، لكنّها صورة بالأسود والأبيض، تظهر عمامة الشيخ السوداء (وهي حمراء في الأصل) المحاطة بقماش أبيض ملقاة على الكرسي الخلفي داخل السيارة وبجانبها آثار الدماء وحطام البلّور المتناثر.
حكاية لبنان مع اللون الأحمر ليست حكاية عاديّة، ولا أحسبها تكون مصادفةً، واجهة مطعم "طورس" ببيروت الذي قضينا فيه معظم السهرات تكاد حمرتها تضيء الطريق، فهي "أمثال النجوم في الليل البهيم" كما وصفها عيسى بن هشام في المقامة الخمريّة. وهو مطعم يقع في منطقة "الحمرا" بالعاصمة، ويرتاده النقابيّون والفنانون الثائرون وشباب الحزب الشيوعي اللبناني الذين يتخذون من اللون الأحمر شعارا لهم. معظم الأشياء التي تحيط بنا في داخل المطعم حمراء مثل عمامة الشيخ عبد الواحد ودمائه: أغلفة الكراسي.. الأضواء الداخلية الخافتة.. الثياب التي ترتديها "صوفية" المغربيّة.. قطع "البندورة" (الطماطم) التي أحكمت تلميعَها شمسُ "رأس بعلبك" الحارقة.. زجاجة نبيذ "الكسارى" التي أقبل عليها صديقنا "فوّاز" الفلسطيني بكلّ نهم.. صحون "السجق" المضمّخ بصلصة الرمّان.. خدود "لاميتا" التي بقيت مورّدة طيلة السهرات حتّى تساءل أحد الإخوة العراقيين الذين معنا: لماذا تحمرّ خدود دون أخرى؟
يعود الفضلُ في جمعنا وتآلفنا في هذا المطعم إلى "كارمل"، الفتاة اللبنانية التي تشارك معنا في الدورة التكوينية رفقة شباب من مختلف الدول العربية، فهي التي تتعهّد كلَّ يوم بتنظيم جلساتنا وتوجيهنا إلى الأماكن التي لا نعرفها، وهذا هو مكانها المفضّل، وقد نال إعجابنا جميعا. هي لا تُخفي انتماءها إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي تعتبره من بين الأحزاب اللبنانية القليلة التي لا تقوم على أساس طائفي. الكلّ في هذا المكان يلعن الطائفية ومن تسبّب فيها ويتمنّى إسقاطها مثلما أسقط التونسيّون نظام "بن علي"، أغاني زياد الرحباني التي يرددونها كلّ ليلة هنا ويرقصون "الدبكة" على أنغامها تشهد على ذلك. تعرّفنا إلى كثير من أصدقائها وزملائها في الحزب، حدّثونا طويلا عن مشاغلهم وتطلّعاتهم وأحلامهم. وهم في النهاية غير راضين على انقسام اللبنانيّين إلى صنفيْن لا يتكلّمان لغة واحدة: جماعة 14 وجماعة 8. هم بصدد البحث عن لسان موحّد.
هناك اختلاف كبير بين الشباب الشيوعي اللبناني والشباب الشيوعي في تونس: إذا دخلت في نقاش مع شاب شيوعي تونسي فإنّك تخرج منه عادةً بكثير من آلام الرأس ودون نتيجة واضحة. أمّا الشاب الشيوعي اللبناني فإنّ الحديث معه كثيرُ الفائدة، وحاسة السمع عنده أقوى، بحيث لا يجد حرجا إذا وجّهت له النقد، حتّى إن قلتَ له إنّ الشيوعية قد ماتت. حتى مقاهي الشيوعيّين في تونس كثيرة الصخب، فإذا أردتَ أن يسمعَك جليسُك عليك بالصراخ وتقريب فمك من أذنه، وإن لم تفعلْ ذلك لن تغنمَ شيئا.
خلاصة القول: لا نفهمُ لسانَ الشيوعيّ التونسي.
لم يتبقَّ لنا غيرُ يوميْن في لبنان. لم أُرِدْ أن أترُكَ لبنان دون أن أزورَ جبران خليل جبران الراقد في ديره بـ"بشرّي". لقد أحرجْتُ صديقي "سمير" وقرّرنا تخصيصَ يوم أو بعضَ يوم للانتقال إلى هناك بالسيارة رغم الاضطرابات في طرابلس والتوتّر القائم هناك بين الشباب العلوي والشباب السنّي على خلفيّة الثورة السورية. قال لي إنّنا سنسلُك طريقا جبليّا يمرّ عبر القرى وغابات الأرز وحقول الكرم والتفاح. فكرة جيّدة: نهرب من التوتر السياسي والطائفي إلى أحضان الطبيعة تماما مثلما كان يفعل جبران. لكن رغم ذلك لا بد من المرور عبر الحاجز العسكريّ لكي ندخلَ محافظة "الشمال". سنخوض إذن تجربة الشيخ عبد الواحد للمرور إلى الضفة الأخرى. كنّا نعرف أنّنا سنخوضها بسلام. فنحن لم نكنْ إزاء مغامرة، لأنّنا لا نذهب من أجل المشاركة في اعتصام سياسي ولا من أجل تأجيج الفتنة بين الطوائف. نحن دعاة سلام نحذق كلّ الألسنة واللغات، وهذا ما تفطّن إليه جنود الحاجز فأشار إلينا كبيرُهم من بعيد بالمرور. لم نتوقّف لحظة واحدة، لقد كان اسمُ جبران مكتوبا على جباهنا بأحرف كبيرة، وكان ذلك بمثابة التأشيرة التي بواسطتها تمكّنّا من عبور الحاجز.
روى لي "سمير" حكاية يتداولها كثير من اللبنانيّين تتحدّث عن بعض ما جدّ أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان من ممارسات وحشيّة قامت بها بعض القوى اللبنانية (لا فائدة في ذكر اسمها) ضدّ الفلسطينيّين. الحكاية معبّرة وإن كانت تحتوي على بعض عناصر الخيال السردي. يُروى- والعهدة على من روى- أنّ الفلسطيني الذي يريد أن يمرّ من بعض الحواجز التي تسيطر عليها تلك الميليشيات يخفي هويّته الفلسطينية ويتقمّص الهوية اللبنانية حتّى ينجوَ بنفسه. عندئذ يلتجئ الميليشيوي إلى أن يُريَه بندورة واحدة ويسأله: ما هذه؟ فإن قال: "بنَدورة" (بفتح النون) عرف أنه لبناني فيخلي سبيله. وإن قال: "بنْدورة" (بتسكين النون) لم يشكوا في أنه فلسطيني ويطلقون عليه النار بكلّ وحشيّة، لأنّ اللهجة الفلسطينية تسمّي البندورة هكذا.
قُتل الفلسطيني ومُنع بذلك نهائيًّا من اجتياز الحاجز لأنّ لسانه ليس كلسانهم.
الطائرة الآن فوق البحر الأبيض المتوسط في اتجاه العودة إلى تونس. جزيرة قبرص ينبعث منها ما يشبه الدخان. لونه يميل إلى الحمرة. لا أرى مصدره لأنّني الآن في السماء. لكنّني أعلم جيّدا أنّها قبرص. جزيرة واحدة وشعبان مختلفان، أرض واحدة ولسانان متباينان، وعمّا قريب تحمرّ فيها البندورة وعناقيد الكرم فتصبح كلون الحزب الشيوعي وعمامة الشيخ ودمائه ودماء الفلسطيني عاثر اللسان وخدود "لاميتا" المحيّرة...

مزار بن حسن

hmazar2001@yahoo.fr
جريدة القدس العربي: 01 سبتمبر 2012

vendredi 1 juin 2012

جوهرة الحب الثمينة


حكمة لبنانية: كان رَجلٌ يمشي ليلاً نحو منزله مَارًّا قرب ساقية مياه، فشعر بالخوف. وإذا بِرَجُلٍ يَمُرّ بقُربه ويُعطيه كيسًا. فتّشَه فوَجَدَ فيه حجارة، فراح في كلّ دقيقة يرمي حجرًا لِيَسمَع صوت الماء. وحين وَصَلَ إلى منزله لم يكن قد بَقِيَ معه سوى حجر صغير، فأمسكه في الضوء لِيَراه، فَوَجَدَه جوهرة ثمينة، فاكتشف أنّه خلال مسيرته قد رمى جواهر كثيرة، ففكّر أنْ يَرمِي الأخيرة، لكنّه رأى من الأفضل الإستفادة ممّا بَقِيَ معه.
العبرة:
كَمْ من المرّات نَرمي جواهر ثمينة يُنعم بها الله علينا، من دون أنْ نَدري، ولكن رغم كلّ ذلك تبقى معنا جوهرةٌ ثمينة ألا وهي المحبّة التي يزرعها الله في قلوبنا. فلنتمسّك بها ونُحافِظ عليها لأنّها هي الباب لإسترجاع كلّ الجواهر الثمينة.
الخوري حنا عبود: نقلا عن موقع رعيّة إهدن- زغرتا

jeudi 3 mai 2012

الثقافة العربية والعطب الكلامي: اللسان الأسير


الثقافة العربية والعطب الكلاميّ: اللسان الأسير

في أحداث 8 و9 أفريل 1938 بتونس وقعت مواجهة بين الجماهير الشعبية التونسية المطالبة ببرلمان تونسي وحق الشعب في تقرير مصيره بنفسه، وبين القوات الاستعمارية الفرنسية، وقد أسفرت تلك المواجهة كما هو معلوم عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف التونسيين بين شهداء وجرحى، كما خلفت صدمة نفسية كبيرة كان لها الوقع الثقيل في نفوس الناس. ويفيدنا معظم مؤرخي الحركة الوطنية التونسية بأنّ الفترة التي تلت تلك الحوادث الأليمة تميزت بالصمت والوجوم والترقب لما ستؤول إليه الأوضاع بعد كل الفظاعة التي حصلت، خاصة إذا علمنا أن معظم قيادات الحركة الوطنية بمن فيهم بورقيبة قد سجنوا، وأنه قد دخلت الحركة في مرحلة العمل السرّيّ[1]، ثم إنّ العالم في تلك الفترة بدأت تتحول أنظاره إلى الحرب العالمية الثانية التي ستندلع في 1939 وما ستحمله من ويلات وتخبّئه من مفاجآت.
شخصية الحبيب بورقيبة المعروفة لدى القاصي والداني بحكمتها ورصانتها في التعامل مع الظواهر السياسية لا سيّما إذا كانت بالغة الخطورة كالحرب العالمية الثانية، آثرت الالتزام بذلك الصمت المذكور داعية إلى التروّي وعدم الانسياق وراء الدعوات المتكررة من هنا وهناك لمساندة قوات المحور أو المعسكر الألماني وعدم الاغترار بمقولة: "عدو عدوّي صديقي" في إشارة إلى العدو الفرنسي المستعمِر. فقد دعا بورقيبة من سجنه إلى انتظار ما ستسفر عنه الأحداث رغم يقينه شبه المؤكد بالأسطورة الألمانية النازية وبأنها ظاهرة كلامية لا يمكن أن تدوم ولا يمكن أن تفعل شيئا مع الأيام، بل إنّ الوقوف إلى جانب الحلفاء بمن فيهم فرنسا المستعمرة، هو الذي سيكون حتما خلاصَنا من خطر قادم وسلاحنا الذي سنفاوض به فرنسا في ما بعد حول الدستور والاستقلال.
ما جعلني أتذكر "حكمة الصمت البورقيبي" بعد أحداث 8 و9 أفريل 1938 وأثناء الحرب العالمية الثانية هو ما قرأته يوم الأحد 15 أفريل 2012 في جريدة "المغرب" التونسية وبالتحديد في الصفحة الخاصة بالأرشيف، "في مثل هذا اليوم من سنة 1957" التي يشرف عليها السيد عبد الكريم قابوس، ففي سياق الاحتفال بذكرى الشهداء، أي في أفريل 1957، خطب الحبيب بورقيبة في الناس موجها رسائل كلامية للشعب متعلقة بضرورة تذكر شهداء تونس دائما وبالعلاقات المغربية الليبية وبأجور أرباب الشعائر الدينية، ثم ختم الصحفي تحقيقه قائلا: "وختم الرئيس بورقيبة حديثه بالتعبير عن حاجته الملحّة لبعض أيام من الراحة والاستجمام، نحو عشرة أو اثني عشر يوما سيقضيها بجبال إيطاليا نظرا للأتعاب التي يحس بها خصوصا تعب حلْقِه، وقد نصحه الأطباء بالكف عن الكلام، وسيعود إلى تونس يوم 26 رمضان ليحضر أختام ليلة رمضان بجامع الزيتونة المعمور."
إنّ الفرق الوحيد، ربما، بين الصمت البورقيبي في مرحلة ما بعد أحداث أفريل 1938 وبين صمته في مرحلة ما بعد الاحتفال بتلك الحادثة بعيد الاستقلال (سنة 1957) هو أنّ الصمت الأول ناتج عن حكمة وتبصر وحس سياسي مرهف جعله يتفطن إلى الموقف الأمثل الذي يجدر اتخاذه في ذلك الظرف بالذات، أمّا الصمت الثاني فهو "صمت اضطراريّ" أملاه عليه أطباؤه بعد أن ثبت أنّ حنجرته لم تعد تتحمل كلاما أكثر من الكلام الذي تحملته قبل ذلك، فمهما بلغت طاقة بورقيبة الخطابية من قوة وبأس، ومهما كان حرصه على التوجيه السياسي والإقناع منذ عودته من فرنسا إلى تونس وخوضه غمار السياسة وقيادة الحركة الوطنية، فإنّ لحنجرته حدودا معلومة لا تقوى على تجاوزها ولحباله الصوتية قدرا من الصلابة والمتانة لا مجال لتخطّيه، تلك هي الاعتبارات الفيزيولوجية التي قرر بورقيبة في الأخير أن يستجيب لها صاغرا مستسلما.
لكنْ بين "الصمت الاختياري" و"الصمت الاضطراري" بون شاسع: الأوّل كان مبينا عن حكمة بورقيبية توصل إليها عن قناعة وإدراك، أما الثاني فكان قرارا اختاره غيرُه أو اختاره له القدَرُ فلا قدرة له على العصيان والتمرد. إذن فالصمت الاختياري هنا هو "الامتناع المقصود عن الكلام مع القدرة عليه" (وهو البديل الطبيعي عن الثرثرة أو اللغو)، أمّا الصمت الاضطراري فهو "الامتناع غير المقصود عن الكلام مع الرغبة فيه". في الأوّل نجد حكمة بورقيبة السياسية، وفي الثاني لا نجد في الحقيقة سوى حكمة الأطباء (وربما القدر).
بالطبع، يصعب على السياسيين جميعا، لا سيما إذا كانوا من ذوي الثقافة العربية، أن يستسلموا بسهولة لعطب طارئ يصيب حناجرهم، والحضارة العربية كما نعلم قائمة على المشافهة، حيث تتنزّل الخطابة والأشعار فيها منزلة رفيعة ترتقي بها إلى مؤسسة  في حد ذاتها لا غنًى عنها في عملية التواصل الاجتماعي والسياسي ألا وهي مؤسسة البيان. إنّ هذه العملية الخطابية القائمة على المشافهة باعتبارها قناةً اتصاليّة تدخل في إطار عملية التسلّح عامة، تسلّح السياسي بآلية الخطاب والكلام، أو بالاستراتيجية اللسانية، قصد تحقيق غايات ومكاسب وانتصارات ذات طابع سياسي. فاللسان إذن في ثقافتنا العربية هو مفتاح الانتصار أو هو آلية إلى جانب بقية الآليات العسكرية الممكنة لخوض الحروب الدفاعية  أو حروب اكتساح الأقاليم، ومن أجل ذلك أسند العرب القدامى الوظيفة الدفاعية إلى الخطباء والشعراء واعتبروا الشاعرَ لسانَ حال القبيلة والذائدَ عنها أمام بقية القبائل، والقبيلة التي ليس لها شاعر يذود عنها هي قبيلة تشكو من "فقدان اللسان" أو "فقدان الحنجرة" وما يعنيه ذلك من "ضعف دفاعي" يؤدي إلى "وهن سلطوي" يمكن أن يجرَّها إلى المهالك.
إنّ أيَّ شكل من أشكال "الخَرَس اللساني" باعتباره "صمتا اضطراريّا" ينتج عنه ضرورة "خرَس سياسي أو سلطوي": أي "الامتناع غير المقصود عن السلطة مع الرغبة فيها". وتجدر الملاحظة هنا أنّ المعاجم العربية لا تسعفنا في إيجاد دالٍّ مناسب للمدلول الذي أريد الوصولَ إليه وهو: "امتناع الكلام لعارض أو حادث طرأ على الوظائف الفيزيولوجية" بل إنّ هذه المعاجم لا تفرّق مثلا بشكل حاسم بين البَكَم والخَرَس، فلا نجد تقريبا سوى الأزهريّ الذي يفرّق بين الأبكم والأخرس قائلا: "الأخرسُ الذي وُلد ولا نطقَ له، والأبكمُ للسانه نطقٌ وهو لا يعقل الجواب ولا يحسن وجهَ الكلام" ولكنّ هذين التعريفين لا يعبّران تماما عمّا نبتغي الوصولَ إليه[2]، ولذلك خيّرنا مصطلح "الخرَس" باعتبار أنّ معنى الاضطرارية فيه أوضح وأقوى دلالة.
وينبهنا J- Chevalier  مع زميله A- Gheerbrant لمسألة الفرق بين الصمت: Silence والخَرَس: Mutisme  في معجمهما الخاص بالرموز، حيث أن الصمت في معظم ثقافات العالم هو انفتاح الإنسان على الكشف وانجلاء الحقائق، في حين أنّ الخَرَس هو إغلاق هذا الكشف إمّا برفض تقبّله أو نقله وإمّا عقابا على سوء استخدامه[3]. ولنا في ثقافتنا العربية الإسلامية أمثلة واضحة من النص القرآني على هذا: "صُمٌّ بُكمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يَرجِعون" (البقرة: 18) أو "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ" (البقرة: 171) والجاحظ في كتاب "البيان والتبيين" ينتصر لأهل البيان وفصاحة اللسان ويتعوّذ بالله من "العيِّ والحصَر" أي فقدان الإبانة عما يخالج النفسَ وانعقاد اللسان عن المراد[4]، وفي الوقت ذاته يدافع عن الصمت ويخصص له بابا كاملا من الكتاب ويعتبره سبب سلامة الإنسان[5].
"فقدان اللسان" أو "فقدان الحنجرة" عند بورقيبة إذن هو فقدان لسلاح هام من جملة الأسلحة التي ينبغي التزوّد بها، لأنّ الإنسان الفاقد للنطق والكلام هو بمثابة "الأعزل" المتجرد من سلاحه فيسهل بذلك الانتصار عليه في المعارك والحروب، ويكون الانتصار طبعا بطريقتيْن: إما بالقتل أو بالأسْر. ففقدان القدرة على الكلام يصبح بالتالي فقدانا للحياة أو فقدانا للحرية، ولا ننسى أيضا أنه فقدان للسلطة.
في الأدب العربي القديم لدينا أمثلة عديدة على الترابط المتين بين سلطان السياسة وسلطان البيان ممثلا أساسا في اللسان: والمثال الذي أراه أكثر مناسبةً هنا هو ما جرى لعبد يغوث الحارثي الشاعر الجاهلي الذي تجمع الروايات على أنه كان سيدا في قومه فارسا يشار إليه بالبنان، خاض حروبا ومعارك يدافع فيها عن قبيلته (بني الحارث بن كعب) خاصةً وعن تحالف مجموعات القبائل اليمانية التي خاضت حربها على قبائل تميم المضرية وانهزمت فيها، وهو اليوم المعروف في التاريخ بيوم الكُلاب الثاني. وكان من نتائج هزيمة التحالف اليماني وقوع عبد يغوث في أسر بني تيْم من الرِّباب (وهي من بطون تميم) . والطريف في الحكاية أنّ الأطراف المنتصِرة والآسِرة قاموا بربط لسانه بنِسعةٍ (سير من جلد) حتى لا يهجُوَهم كما تقول المصادر، أي أنّهم أرادوا في النهاية سلبَه حرّيته (الأسر) وسلبه ملكته اللسانية (ربط اللسان) وبالتالي سلبَه السيادة والقوة والسلطان الذي كان له على قومه، ولكن، في النهاية قرر هؤلاء أن يلبّوا له طلبه بفك القيد عن لسانه وبقتله "قِتْلةً كريمةً" وذلك بأن يسقوه خمرا ويقطعوا له عرقا في يده ويتركوه يشرب وينزف ويقول الشعرَ إلى أن يموت. وكانت نتيجة هذا النزيف الدموي والشعري معا، إلى جانب الموت بالطبع، هي القصيدة التي رواها لنا الأصفهاني في الأغاني كاملةً ونذكر منها هذا البيت الذي يهمّنا:
أَقُول وَقَدْ شَدّوا لِسَانِي بنسعة:
 أمعشرَ تيْمٍ أَطْلِقُوا عَنْ لِسَانِيا[6]

التشابه الذي يمكن أن نجده بين الحالتين اللتين وقع فيهما الصمت البورقيبي، فكلاهما كان في مرحلة انتقالية: الأولى انتقال من فترة ما قبل الحرب إلى فترة ما بعد الحرب وما يصحبه من تغيير في موازين القوى العالمية وبالتالي في تجديد آليات الكفاح الوطني والعمل السياسي. والثانية انتقال من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الاستقلال وما يقتضيه ذلك من توجيه العمل الوطني نحو بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها. كما يوجد تشابه آخر بين الحالتين أيضا: هو وجود فكرة "الاغتراب" (سجن بورقيبة في الحالة الأولى- هجرته إلى جبال إيطاليا في الحالة الثانية- ويمكن إضافة الأسْر أيضا في حالة عبد يغوث الحارثي).
نعود إلى الأدب العربي القديم، وبالتحديد إلى كتاب كليلة ودمنة لصاحبه أو مترجمه عبد الله بن المقفع. الحكاية المثلية التي سننطلق منها معروفة وهي حكاية السلحفاة والبطتيْن: كانت بينهن صداقة وكان هناك غدير قريب منهن، فلما جفّ الغدير قررت البطتان الانتقال وحمل السلحفاة معهما وذلك بالأخذ بطرفيْ عود بمنقاريهما وتقبض السلحفاة بفمها على وسطه ويطيران بها إلى غدير آخرَ بعيد، وأوصتاها بعدم النطق. لكنّ السلحفاة لم تعجبها ملاحظات الناس المتعجبين من طيرانها فنطقت لتسُبَّهم فوقعت وماتت.[7]
سبق للأستاذ عادل خضر أن قام بتحليل هذه الحكاية في كتابه: "في الصورة والوجه والكلمة" تحت عنوان: "السلحفاة التي تطير أو الثالث المرفوع" وتوصل في نهاية الأمر إلى أنّ محاولة الالتحام بين الأرضي والسماوي لا يمكن أن تكون عبر اللغة، أو بلغة أخرى لا يمكن أن نتكلم ونحن نطير في السماء لأنّ الكلام في السماء هو "شوق العودة إلى الأرض"، فليس هناك كلام في السماء، وكل الذين طاروا لم يتكلموا هناك[8].
لكنّ التحليل الذي نتبناه في مقامنا هذا مختلف بعض الشيء عن تحليل الأستاذ عادل خضر، وننطلق هنا من ملاحظة التشابه بين حالة السلحفاة مع البطتين وبين الحالتيْن البورقيبيتين: الصمت الاختياري (1938) والصمت الاضطراري (1957)، وأوجه الشبه هي التالية: أولا كل هذه الحالات هي مراحل انتقالية مثل مرحلة "الانتقال الديمقراطي" التي نعيش فيها الآن: انتقال من مرحلة ما قبل الحرب إلى ما بعد الحرب- انتقال من الاستعمار إلى الاستقلال وبناء الدولة الوطنية- الانتقال من مكان جاف إلى مكان فيه ماء وحياة. ثانيا كل هذه الحالات السابقة تشترك في مبادئ جامعة تدور جميعها في فلك "الهجرة" و"المنفى" و"الاغتراب". ثالثا لا يمكن أن ننتقلَ من مرحلة إلى أخرى ونحن نتكلّم، خاصة إذا كانت المرحلة حساسةً ومصيرية، فإمّا الصمت وسلاسة الانتقال (حرية- حياة- نمو- حكمة- نجاح...) وإمّا الكلام والبقاء في نفس المكان (أسر- موت- سقوط- عجز- ثرثرة- فشل- ضعف...).
-         استدراك أول: الجاحظ لم يدم دفاعه عن الصمت كثيرا في البيان والتبيين، ففي نفس الباب (باب الصمت) يتراجع عن جدوى الصمت ويعود إلى الدفاع عن البيان بالكلام واللسان فيتساءل قائلا: "وكيف يكون الصمتُ أنفعَ والإيثارُ له أفضلَ، ونفعُه لا يكادُ يُجاوز رأسَ صاحبه؟"[9]
-         استدراك ثانٍ: في الأعداد الموالية لجريدة المغرب، وفي صفحة الأرشيف دائما، قرأنا في أخبار أفريل 1957 أن السيد الباهي الأدغم والسيد أحمد التليلي قررا ألا يتركا بورقيبة وحيدا في جبال إيطاليا، وآثرا الالتحاق به هناك، وقد استقبلهما في المطار في إيطاليا، وبذلك يكون بورقيبة قد انتهك الوعد الذي قطعه لنفسه وخالف نصيحة الأطباء بلزوم الصمت والامتناع عن الكلام.
تلك هي النتيجة التي توصلت إليها في النهاية: الجميع تراجع عن صمته وقرر في النهاية أن يتكلمَ مهما كلفه ذلك من سجن أو أسر أو فشل أو ثرثرة أو موت... بورقيبة في سجنه الفرنسي وبورقيبة في منفاه الإيطالي وعبد يغوث الحارثي في سجن بني تميم والجاحظ في بيانه وتبيينه وسلحفاة ابن المقفع في سمائها مع البطتين: كلهم صرخوا بصوت واحد: "لا نريد الصمت، نريد أن نتكلم، كلّفنا ذلك ما كلّفنا".
أمعشرَ تيْمٍ أطلقوا عن لسانيا.
مزار بن حسن
hmazar2001@yahoo.fr
جريدة القدس العربي: 03ـ 05ـ 2012
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data\2012\05\05-02\02qpt898.htm

[1]  محمد الهادي الشريف: تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقلال، تعريب: محمد الشاوش ومحمد عجينة، تونس 2001 دار سراس للنشر، ص 124- 125.
[2]  لسان العرب مادة: (خرس)
[3] Dictionnaire des symboles, Paris 1982, p883.
[4]  أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق وشرح حسن السندوبي، تصحيح وتنقيح مصطفى القصاص، بيروت 1993، دار إحياء العلوم، مج 1، ج 1، ص 17.
[5]  الجاحظ : المرجع نفسه: مج 1، ج1، ص 191.
[6]  كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: طبعة دار الكتب المصرية القاهرة: ج15 ص71. أو طبعة دار الفكر بيروت: ج16 ص 360.
[7]  كليلة ودمنة: بيدبا الفيلسوف الهندي، ترجمة عبد الله بن المقفع، تونس 1989، دار القدس للنشر ص124- 125.
[8]  عادل خضر: في الصورة والوجه والكلمة، تونس فيفري 2008 دار ميسكيلياني للنشر والتوزيع، ص159.
[9]  الجاحظ: المرجع نفسه، مج1، ج1 ص262.